Telegram Web
🎤
*خطبة جمعة بعنوان:*
*(وإن كان مكرهم لِتزولَ منه الجبال)*
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

*الخطبة الأولى:*
الحمد لله معزِّ من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه... مجيب دعوة الداعي إذا دعاه.. وهادي من توجه إليه واستهداه.. ومحقق رجاء من صدقه في معاملته ورجاه.. من أقبل إليه صادقاً تلقاه... ومن ترك لأجله أعطاه فوق ما يتمناه... ومن توكل عليه كفاه...
-أحمده سبحانه.. حمدا يملأن أرضه وسماه..

-وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.. ولا معبود بحق سواه..فسبحانه من إله تفرد بكماله وبقاه..

وما كنتُ في زيفِ الحياة بطامعٍ
‏وما عشتُ عمري للأنامِ ذليلًا

نأيتُ بنفسي عن أمورٍ كثيرةٍ
ولم أتخذ غير الجميلِ خليلًا

وعاشرتُ من عاشرتُ لِينًا وعِفةً
وماكنتُ إن شحّ الزمان بخيلًا

أحبُّ سمو النفس عن كل خِسّـةٍ
وللخير أسعى ما استطعت سبيلا

وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا وقائدنا وقدوتنا وقرة أعيننا.. محمدا عبده ورسوله.. الذي اصطفاه واجتباه...

سلامٌ على ذاكَ النبيِّ فإنَّهُ
إليهِ العُلا والفضلُ والفخرُ يُنسبُ

وأحسنُ خلقِ اللهِ خُلُقًا وخِلْقةً
وأطولهمْ في الجودِ باعًا وأرحبُ

صفوهُ بما شئتمْ فواللهِ ما انطوى
على مثلهِ فـي الكونِ أمٌّ ولا أبُ

-صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن نصره وآواه واقتفى أثره واتبع هداه وسلم تسليماً كثيرا..

-أما بعـد :
عبادالله: فأوصيكم ونفسي المخطئة المذنبة أولا بتقوى الله:
((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون))[آل عمران: 102]...

-أيها الأحبةالكرام:
جاء الإسلام بالأخلاق الفاضلة، والقيم السامية لتسود المحبة، والوئام بين الناس في كل مكان وزمان.. قال تعالى:((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )) [الأنبياء: 107]...
فكل توجيهات القرآن الكريم.. والسُّنَّة المطهَّرة... جاءت رحمةً وهدايةً للبشرية، وصلاح أحوالها في جوانب الحياة كلها..الدينية.. والاجتماعية...والسياسية... والاقتصادية...والتربوية.. وغير ذلك...
وللجانب الأخلاقي فيها مكانة عظيمة.. نال كمالها وشرفها نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ الرحمة المهداة.. في قوله تعالى: (( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ )) [القلم: 4]،....

فالشرائع السابقة التي شرعها الله للعباد.. كلها تحثُّ على الأخلاق الفاضلة؛
ولا شك أن المكر السيئ... من مساوئ الأخلاق... وفِعْل قبيح.. تأباه العقول الصحيحة، والفطر السليمة..ويرفضه الإسلام...

والله أعد للماكر في قدره.. من ملاقاة جزائه على مكره...فيكون ذلك من النواميس.. التي قدرها الله لنظام هذا العالم... لأن أمثال هذه المعاملات الضارة.. تؤول إلى ارتفاع.. "زوال" ثقة الناس بعضهم ببعض...والله بنى نظام هذا العالم.. على تعاون الناس بعضهم مع بعض... لأن الإنسان مدني بالطبع...فإذا لم يأمن الناس بعضهم بعضًا.. تنكر بعضهم لبعض...وتبادروا الإضرار، والإهلاك... ليفوز كل واحد بكيد الآخر ..قبل أن يقع فيه..فيفضي ذلك.. إلى فساد كبير في العالم... والله لا يحب الفساد.. ولا ضرَّ عبيده.. إلا حيث تأذن شرائعه بشيء... ولهذا قيل في المثل: "وما ظالم إلا سيُبلى بظالم"، -وقال الشاعر:
لكل شيء آفة من جنسه
حتى الحديد سطا عليه المبرد

وقد نهى الإسلام.. عن المكر... وأعده.. من رذائل الأخلاق، وقبائح الأعمال؛...قال تعالى: ((وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ )) [فاطر: 10].

إن استقامة المؤمن وصلاحه، وحسن تعامله مع الناس بعامة، وإخوانه المسلمين بخاصة، يستند على توجيهات شرعية من الكتاب والسنة، والموفق من فقهها وعمل بها... فنال سعادة الدنيا والآخرة... فمن القرآن الكريم قوله تعالى:((وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا )) [الإسراء: 53]....

ومن السنة قوله صلى الله عليه وسلم:((مَا مِنْ شَيءٍ أَثْقَلُ في ميزَانِ المُؤمِنِ يَومَ القِيامة مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ، وإِنَّ اللَّه يُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيء))؛ صحيح الترمذي...
وقوله عليه الصلاة والسلام: ((أَكْمَلُ المُؤمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُم خُلُقًا، وخِيارُكُم خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهمْ))صحيح الترمذي...

إن المكر السيئ..ليس من أخلاق المؤمنين الأخيار..فالمؤمن التقي النقي.. يحرص على الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم... أكمل الناس خُلُقًا... فلا ينسجم بحال الإيمان والتقوى.. مع المكر والخداع وذميم الأخلاق... وكلما كان الإنسان متأسيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم... كان أبعد عن المكر والخداع وسيئ الأخلاق...

-أيهاالأحبة: إن أعداء الله... يجتهدون في ضر المسلمين.. بكل ما يستطيعون....ولا يستطيعون في الغالب.. إيصال الضرر للمسلمين.. إلا بالمكر.. كما مكر أسلافهم برسل الله.
-نعم..إن الأعداء.. يمكرون مكرًا عظيمًا.. لا يمكن أن نتخيله.. ولا ندرك منه إلا القليل.. قال الله تعالى.. في وصف مكر أعداء الدين.. لأهل الإسلام : (( وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ )) [إبراهيم: 46].

أي: مكرًا عظيمًا.. تزلزل منه الجبال.. وتزول من أماكنها.. لكن الله جل وعلا ..لهم بالمرصاد..
وهو سبحانه..من ورائهم محيط.

فإن المؤمن.. يشهد دائماً في الأحداث التي تقع في الحياة... وفيما يجري من صراع على وجهِ الأرض.. بين الحق والباطل
.. يشهد دائماً أثر قدرة الله.. وتدبيره لهذا الكون... وأن الأمور ليست من هاهنا من الأرض... وإنما تُدارُ بقدرة قادرٍ من السماء...وأن الأزمات والأحداث.. يبتلي الله بها عباده.. فيستخرج بها عبادتهم... ويُمحِّصَ بها إيمانهم.

ولذا قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: [ المؤمن يعمل بالطاعات وهو مشفق وجل،.. والفاجر يعمل بالمعاصي وهو آمن].

فإذا رأيت من يمكر بالإسلام.. أو بالمسلمين.. أو بك في خاصة نفسك.. فتذكر هذه الآية:(( وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)) [فاطر: 43]..
فإنها لم تُنزل لتتلى فقط .. بل نزلت تحذيرا لأهل المكر السيء.. وبردا وسلاما.. على كل من يُمكر به بسوء.. وهو بريء من السوء،

قال محمد بن كعب القرظي‏:‏ [ ثلاث من فعلهن..لم ينج.. حتى ينزل به، من مكر، أو بغي، أو نكث،.. وتصديقها في كتاب اللّه تعالى‏:‏(( ‌‏وَلاَ يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ ﴾)) [فاطر:43]،‏ ..

(( ‏إنما بغيكم على أنفسكم‏ْ‏)) [يونس:23]،..
-(( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ)) [الفتح:10] ] " مختصر ابن كثير.

المكر ينقلب على صاحبه:
وقص علينا القرآن صورة من مكر ثمود بنبيهم صالح، قال تعالى: ﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ )).. [النمل:50- 51]،...
قيل في تفسيرها: وهم لا يشعرون بالملائكة الذين أنزل الله على صالح.. ليحفظوه من قومه حين دخلوا عليه ليقتلوه، فرموا كل رجل منهم بحجر.. حتى قتلوهم جميعاً وسلم صالح من مكرهم..

-وقيل:" إنهم مكروا بأن أظهروا سفراً.. وخرجوا.. فاستتروا في غار.. ليعودوا في الليل فيقتلوه.. فألقى الله صخرة على باب الغار حتى سده.. وكان هذا مكر الله بهم".
وقد مكر المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَو يَقْتُلُوكَ أَو يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ))[الأنفال:30].

لقد أنجى الله نبيه صلى الله عليه وسلم، وخرج سالماً من بين ظهرانيهم مهاجراً إلى المدينة،... وقتل صناديدهم يوم بدر.. كأبي جهل وعتبة وشيبة ابنا ربيعة... وأدخل الله عليهم الإسلام.. يوم فتح مكة...ومات صلى الله عليه وسلم يوم مات... وقد نصره الله عليهم وأمكنه منهم، ورفع الله له ذكره.. وأعلى له أثره.

وكذلك مكر المنافقون به... قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُو يَبُورُ ﴾ [فاطر:10]،..

لقد كان مآل مكرهم الفساد والبطلان ..وظهر زيفهم لأولى البصائر والنهى..فإنه ما أسر أحد سريرة.. إلا أبداها الله على صفحات وجهه.. وفلتات لسانه، وما أسر أحد سريرة.. إلا كساه الله تعالى رداءها... إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشر.

ومكر اليهود برسول الله صلى الله عليه وسلم ومحاولتهم قتله، وتآمرهم مع المشركين عليه... كثير معلوم،... فكان.. أن قتل بعضهم .. وأجلى آخرين... وظهر أمره صلى الله عليه وسلم..

أيها المؤمنون:
احذروا المكر.. ولا تنبهروا بأهله..
-فعن قيس بن سعد بن عبادة- رضى الله عنهما قال: [ لولا أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المكر والخديعة في النار"... لكنت من أمكر الناس] "(صححه الألباني).

-وعاقبةالمكر السيء.. تتجلى.. في أن الماكر.. يرتد مكره عليه في الدنيا والآخرة،.. كما في قصة الرجل الذي قتل زوجته عن طريق الخطأ.. وخاف من أهلها..ماذا يقول لهم..!!.
فأشار عليه أحدهم ..بأن يقتل شابًا.. ليُلصق به التهمة...ويقول:
أنه وجده.. مع امرأته على الفراش..فقتله غيرة على عرضه!
..ففعل الرجل بنصيحة هذا الخبيث...أمسك شابا في الشارع وأدخله إلى منزله وقتله بجوار زوجته...
فكان من عدل الله...أن الإبن الذي قُتل.. كان ابن الذي أشار عليه النصيحة.. فكانت العاقبة الأليمة ..على الناصح نفسه...

أحبتي في الله:
إن بغي الأمم الهالكة.. على الأنبياء والمرسلين... فيه عظة وعبرة لأولي الألباب.. وقد أخذهم سبحانه وتعالى.. أخذ عزيز مقتدر... وسارت الأيام والليالي.. بقوم نوح.. وعاد.. وثمود.. وبقرون بين ذلك كثيرا..
فأسلمتهم إلى ربهم، وقدمت بهم على أعمالهم...فهذا فرعون!.. كم كاد لبني إسرائيل.. لمّا آمنوا به! ومن جملتهم.. ذلك الرجل الذي عرف بـ"مؤمن آل فرعون".. الذي قصّ الله خبره في سورة غافر! تأمل قوله تعالى: ((فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ النَّارُ * يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)) [غافر: 45 ..46]...
فنجى الله المؤمن.. وأما فرعون وجنوده.. فهم الآن، بل منذ ماتوا وهم يعذبون.. وإلى يوم القيامة.

فالبغاة الطغاة... الذين اعتزوا بقوتهم.. واغتروا بما لديهم من كثرة عدد وعدة ..ووسائل أعلنوا غطرستهم.. وأظهروا هيمنتهم على المسلمين.. ولهم مكر خفي.. وكيد عالمي.. يمكرون به ويكيدون للإسلام وأهله.. وكثيرًا ما يروج هذا الكيد،... ويمر هذا المكر.. بغفلة وسذاجة.. من كثير من أهل الإسلام،... بل ربما تروج الحيل.. حتى يتبناها ..من بني جلدتنا.. والناطقين بألسنتنا.. من يروجون لها.. ومن يرون فيها حقًا وصوابًا،... بل من يندفعون إليها متحمسين ..غير مدركين لتلك الألاعيب.. والحيل التي تسيّرها.. وتروّجها آلة إعلامية ضخمة.. تغير الحقائق... وتجعل البريء الذي ليس متهمًا.. مدانا مجرمًا..وتجعل الباطل وتصوره.. على أنه هو الحق الناصع، والعدل التام!

وهذا المكر والكيد.. يحيط بنا من سائر الجوانب،... وفي كل مجتمعات المسلمين...وفي سائر ديارهم، ..وفي جميع مجالات حياتهم...إنه مكر عظيم كبير... إنه كيد خطير....
فهل يرعبنا ذلك..يا معاشر المؤمنين؟
وهل يفتّ في عضدنا.. يامعاشر المسلمين؟
وهل يجعلنا في حيرة من أمرنا وفي شك من ديننا؟
وهل يدفعنا.. إلى أن نلتمس الخلاص منه.. في شرق.. أو غرب... أو استعانة.. بهذا أو ذاك.. أو لين وذلّ..لا يتفق مع الإسلام. لأجل مداراة... أو مداهنة؟

منذ فجر التاريخ الإسلامي.. والأعداء... لا يكلُّون ولا يملون من التخطيط.. لقمع هذا الدين.. والصد عن سبيله.. وفتنة معتنقيه...
وفي سبيل ذلك.. يجمعون أموالهم.. ويبذلونها بطريقة هستيرية..لمحاربته والكيد لأهله واجتثاثهم من بلدانهم.. وقتلهم وسجنهم... ورغم ذلك.. لم يُكلَّل سعيهم بالنجاح إلا بشكل نسبي..

فكلما سددوا ضرباتهم... إلى الصدر الإسلامي... ازداد قوة وانتشارًا.. بين ربوع العالم... ورغم أنه قد تمر بالإسلام فترات يعاني فيها من حالات ضعف.. أو انزواء،.. إلا أنه يعاود الخروج للعالم بقوة... ينشر تعاليمه.. ويفرض احترامه حتى على غير المؤمنين به...
إن المنهج الإسلامي يستمد قوته من الله تعالى... رب هذا الكون وخالقه...

نعم.. قد تكون العصابة المؤمنة.. قليلة العدد.. والعدة والعتاد...ضعيفة التجهيزات العسكرية... محدودة الإمكانات الحربية... كمجاهدي أهل غزة العزة...ولكن هذه العصابة..تأوي.. إلى ركن شديد..تحتمي به... وتلقي عليه حمولها..ترتبط به ارتباطًا وثيقًا.. ليحقق لها النصرة والمنعة...تضع بين يديه أرواحها رخيصة... فيحفظها.. ويعينها..
ويسدد خطاها... يجتمع عليهم دول الشرق والغرب..من يهود..
ونصارى..وبوذيين..وصهاينة العرب والمسلمين..يدعمون الصهاينة بكل ما أوتوا من قوة...ضد هذه العصابة المؤمنة..
في قطاع غزة..على مدى..عامين
..ومازالوا صامدين..يمرغون أنوف الصهاينة..ويفتكون بجنودهم...
يدبر الله تعالى لهذه العصابة والطائفة المؤمنة..ويمكر بأعدائها..ويفتك بمناوئيها، .. وينتقم منهم شر انتقام... ذلك.. أنهم عادوا... أولياء الله .. الذين تكفل بحفظهم ونصرتهم..

-وصدق الله القائل: ((وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ))..

- بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعاً بما فيه من الآيات والذكر الحكيم...

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم


*الخطبة الثانية:*
الحمدلله وحده..
والصلاةوالسلام على من لا نبي بعده...

أمـا بعـــــــد :
-أيهاالأحبةالكرام:
ومن أعظم المكر الذي مكره الكفار والصهاينة في هذا الزمن... كذبة النظام الدولي؛ فإنه حينما أنشئ بهيئاته.. ومنظماته.. ومحاكمه... كانت أهدافه المعلنة: الحياد بين الدول... ونشر السلم العالمي.. وإنهاء النزاعات والحروب،..

-ولكن الحقيقة... أن الحروب والنزاعات.. زادت في وقته أكثر من ذي قبل...ووجهت بوصلتها إلى الدول الإسلامية، وللمسلمين في أي بلد؛... لتُسحق... وتحرق ويباد أهلها.. بإشراف دولي أممي مرتب...ليبقى لدول العالم الأول أمنها.. ورفاهيتها... بالقضاء على من يزاحمها... ونهب بلدانهم وخيراتهم... والمتتبع للهيئات الدولية..منذ نشأتها.. يجد أن كل قراراتها.. كانت ضد المسلمين.
..ولمصلحة أعدائهم،..أيًّا كان دينهم... والماكرون الكائدون بالمسلمين.. يقتسمون الأدوار... ويخادعون الناس.. بتراشق الألفاظ، وتقاذف الاتهامات...بينما هم يجتمعون على هدف واحد.. وهو.. إبادة المسلمين.. وحرق بلدانهم...وإحلال الفوضى فيها.. والمصيبة العظمى.. والطامة الكبرى.. أن معظم من ينفذ هذا المكر والكيد.. هم ممن ينتسبون للإسلام.. سواء حكاما أو أفرادا.. والواقع في غزة خير شاهد، كيف يتآمر على غزة وأهلها.. من اخوانهم...من العرب والمسلمين..
حكاما ومحكومين..ولا حول ولا قوة الا بالله.

نعم أيها الأحبة: إن هذا المكر الذي يمكروه... والكيد الذي يكيدوه... مرتد عليهم لا محالة، وعائد إليهم ولا بد... فتلك سنة الله تعالى التي لا تتخلف،{{وَلَا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}} [فاطر:43].
ونسأل الله أن يرينا ذلك فيهم..
عاجلا غير آجل..

-اخوة الإيمان: إن الواجب على أهل الإيمان نبذ اليأس والقنوط، وإعداد العدة بما يستطيعون،.. ونصرة الله... حتى ينصرهم..
..وتكون نصرةالله(في تنفيذ أوامره واجتناب نواهيه) فهو القائل عز وجل: {{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تَنصُرُوا۟ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}}، .
-وكذلك نصرة المستضعفين المقهورين المحاصرين.. من إخوانكم أينما كانوا...وأولى الأولويات أبناء غزة... بما تستطيعون، من تخفيف جراحهم وآلامهم،.. ومواساتهم بكل أنواع المواساة،.. والتعريف بقضاياهم، والإلحاح في الدعاء لهم... والدعاء على أعدائهم... وهو أعظم ما يقدم لهم؛... فإن الأمر بيد الله تعالى... وهو القادر على كشف هذه الغمة... ورد كيد الكافرين والمنافقين..والمطبعين ومكرهم عليهم... وإنزال نقمته سبحانه بهم... فهوالقائل:
{{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا}}. [محمد:10].

أيها الأحبةالكرام:
سأستكمل معكم هذه الخطبة بقصتين...جميلتين...توضحان ،
كيف يحيق المكر السيئ بأهله. ويحيط به...

-وهذه القصة الأولى :بعنوان:
-(الزمنُ دوَّار ).
روى "اليافعيُّ" في كتابه "مرآة الجنان".. أن الوزير ابن الزَّيات.. كانَ ظَلوماً قاسياً .. وأنه جعلَ للمساجين من خُصُومِهِ صندوقاً ضيقاً .. في جوانبِهِ مسامير .. يضعهم فيه حشراً ... فإذا أرادَ المسجونُ أن يتحركَ.. جرحته المسامير في أنحاءِ جسده ، ولم يكُنْ قد سبقه إلى هذا الصنف من العذابِ.. أحد من الناس !

وكانَ إذا قالَ له أحدُ المساجين :
أيُّها الوزير ، ارحمني !
يقولُ له :
الرحمةُ خَوَرٌ في الطَّبع !

ثم دارتْ الأيام..وغضبَ الخليفةُ المُتَوَكِّلُ على ابنِ الزيات... وأمرَ به أن يُحبسَ في الصندوقِ الذي كانَ يحبسُ به الناس .

فقالَ للخليفة :
يا أمير المؤمنين ، ارحمني .
فقالَ له المُتَوَكِّل :
الرحمةُ خَوَرٌ في الطَّبع !

-ولبثَ ابن الزيات أربعين يوماً في الصندوق ، ثم مات !

-إنَّ من سُننِ اللهِ في الدُنيا.. أنه جَعَلَها دوَّارة .. وكل إنسان سيشربُ من الكأسِ التي سقى منها غيره ،

أحسِنوا سُقيا الناس اليوم تُحسنون مشاربكم غداً ،
وهذه بتلك((كماتدين تدان)).
@--قصة (الساقي) :
كان هناك ساقي يبيع الماء للناس.. وهو يتجول بجرته الطينية في الأسواق...وقد أحبه كل الناس.. لحسن خلقه ولنظافته.
وذات يوم.. سمع الملك بهذا الساقي.. فقال لوزيره : اذهب و أحضر لي فلان الساقي.

ذهب الوزير يبحث عنه في الأسواق إلى أن وجده.. وأتى به إلى الملك .
قال الملك للساقي : من اليوم فصاعدا.. لا عمل لك خارج هذا القصر ، ستعمل هنا في قصري.. تسقي ضيوفي.. وتجلس بجانبي تحكي لي طرائفك التي اشتهرت بها..
قال الساقي : السمع والطاعة لك يامولاي..
عاد الساقي إلى زوجته يبشرها بالخبر السعيد، وبالغنى القادم.. وفي اليوم الثاني.. لبس أحسن ما عنده.. وغسل جرته.. وقصد قصر الملك.
دخل الديوان.. الذي كان مليئا بالضيوف.. وبدأ بتوزيع الماء عليهم.. وكان حين ينتهي يجلس بجانب الملك.. ليحكي له الحكايات والطرائف المضحكة.. وفي نهاية اليوم... يقبض ثمن تعبه.. ويغادر إلى بيته.

بقي الحال على ما هو عليه مدة من الزمن، إلى أن جاء يوم...شعر فيه الوزير بالغيرة من الساقي ، بسبب المكانة التي احتلها بقلب الملك.
وفي الغد(اليوم الثاني) حين كان الساقي عائدا إلى بيته تبعه الوزير وقال له : يا فلان ، إن الملك يشتكي من رائحة فمك الكريهة.
تفاجأ الساقي وسأله : وماذا أفعل حتى لا أؤذيه برائحة فمي؟
فقال الوزير : عليك أن تضع لثاما حول فمك عندما تأتي إلى القصر.
قال الساقي : حسنا سأفعل.

وعندما أشرق الصباح.. وضع الساقي لثاما حول فمه.. وحمل جرته.. واتجه إلى القصر كعادته. فاستغرب الملك من تصرفه ذلك لكنه لم يعلق عليه،..
واستمر الساقي.. يلبس اللثام يوما عن يوم.. إلى أن جاء يوم وسأل الملك وزيره.. عن سبب وضع الساقي للثام..
فقال الوزير : أخاف يا سيدي إن أخبرتك أن تقطع رأسي.
فقال الملك : لك مني الأمان فقل ما عندك.
قال الوزير : لقد اشتكى الساقي من رائحة فمك الكريهة يا سيدي.
انزعج الملك.. وذهب عند زوجته فأخبرها بالخبر .
فقالت : من سولت له نفسه قول هذا.. غدا يقطع رأسه.. ويكون عبرة لكل من سولت له نفسه الانتقاص منك.
قال لها : ونعم الرأي.

وفي الغد استدعى الملك الجلاد وقال له : من رأيته يخرج من باب قصري حاملا باقة من الورد فاقطع رأسه.
وحضر الساقي كعادته في الصباح وقام بتوزيع الماء وحين حانت لحظة ذهابه..أعطاه الملك باقة من الورد هدية له.. وعندما هم بالخروج... إلتقى الساقي بالوزير.. فقال له الوزير : من أعطاك هذه الورود؟
قال الساقي: اعطانيها الملك.
فقال له: أعطني إياها أنا أحق بها منك.!
فأعطاه الساقي الباقة وانصرف.

وعندما خرج الوزير... رآه الجلاد حاملا باقة الورد.. فقطع رأسه.!

-وفي الغد.. حضر الساقي كعادته دائما.. ملثما.. حاملا جرته.. وبدأ بتوزيع الماء على الحاضرين ..

استغرب الملك لرؤيته.. لظنه أنه ميت... فنادى عليه.. وسأله : ما حكايتك...مع هذا اللثام؟

قال الساقي : لقد أخبرني وزيرك يا سيدي..أنك تشتكي من رائحة فمي الكريهة... و أمرني بوضع لثام على فمي.. كي لا تتأذى.

ثم سأله مرة أخرى : قائلا، وباقة الورد التي أعطيتك؟ ماصنعت بها ؟
قال الساقي : أخذها الوزير .فقد قال أنه هو أحق بها مني.

فابتسم الملك وقال : حقا هو أحق بها منك (وحسن النية.. مع الضغينة لا تلتقيان).
-وهكذا أحاق المكر السيء بأهله...وهذه سنة الله في الكون جارية باقية مابقي الليل والنهار

(من حفر لأخيه حفرة أوقع الله فيها) جزاءوفاقا...

@- هذا ما تيسر ذكره ...وصلوا وسلموا رحمكم الله على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا وإمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله،ﷺ
فقد أمرنا الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) [الأحزاب: 56]،

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺻﻞِّ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺑﺎﺭﻙ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، ﻭﺍﺭﺽَ ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻋﻦ ﺧﻠﻔﺎﺋﻪ ﺍﻟﺮﺍﺷﺪﻳﻦ، أبي بكر و عمر و عثمان و علي ، ﻭﻋﻦ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ، ﻭﻋﻦ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ، ﻭﻣﻦ ﺗﺒﻌﻬﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﻋﻨﺎ ﻣﻌﻬﻢ ﺑﻤﻨﻚ ﻭﺭﺣﻤﺘﻚ ﻳﺎ ﺃﺭﺣﻢ الراحمين ..

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، واخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ. ..

اللهم اجعل لإخواننا في غزة وفلسطين من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجا ومن كل عسر يسرا ومن كل بلاء عافية ..

اللهم اجعل لأهل فلسطين النصرة والعزة والغلبة والقوة والهيبة ،والتمكين

اللهم انصر أهل فلسطين وثبت أقدامهم وسدد رميتهم واربط على قلوبهم وأمدهم بجنود من عندك،
اللهم أنزل عليهم من الصبر والنصر والثبات واليقين أضعاف ما نزل بهم من البلاء ،
اللهم مكن لدينك وكتابك وعبادك الصالحين

اللهم عليك باليهود الغاصبين،
اللهم لا ترفع لهم راية ولا تحقق لهم غاية واجعلهم لمن خلفهم من المجرمين والمنافقين والمطبعين عبرة وآية ، ، ،
اللهم دمر أمريكا واساطيلها يارب العالمين...
اللهم إنصر من نصر غزةَ وفلسطين ،واهلك من خذل غزة وفلسطين يارب العالمين..
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَحوالنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً...
اللهم احفظ بلادنا اليمن وسائر بلدان المسلمين يارب العالمين
اللهم إحفظ أمنه واستقراره وعقيدته
إجعله بلاد سخاء رخاء وسائر بلدان المسلمين
اللهم مكن لدينك وكتابك وعبادك الصالحين ،

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ...

اللهم أصلح أولادنا واجعلهم قرة أعين لنا في الدنيا والآخرة ..

ربنا اغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا وارحمهما كما ربونا صغاراً ...
اللهم إغفر للمسلمين والمسلمات ،المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك قريب مجيب الدعوات وقاضي الحاجات يارب العالمين...
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ...

عباد الله:
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛

فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبر، واللهُ يعلمُ ما تصنعون....
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
🎤
*خطبة جمعة بعنوان:*
*إسم الله الحق وآثاره الإيمانية..*
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

*عناصر الخطبة:*
1/ اسم الله الحق وبيان معناه .
2/ تكفل الله بإظهار الحق .
3/مقتضيات الإيمان باسم الله الحق .
4/من آثار الإيمان باسم الله الحق. ○○○□□□○○○

*الخطبة الأولى:*
الحمد لله الذي تفرد بالعز والجلال، وتوحد بالكبرياء والكمال، وجلّ عن الأشباه والأشكال ،أذل من اعتز بغيره غاية الإذلال، وتفضل على المطيعين بلذيذ الإقبال، بيده ملكوت السماوات والأرض ومفاتيح الأقفال، لا رادّ لأمره ولا معقب لحكمه وهو الخالق الفعال..

واشهد إن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد وهو علي كل شيء قدير

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدٌ عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه الذي أيده بالمعجزات الظاهرة، والآيات الباهرة، وزينه بأشرف الخصال وعلي آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه و من اتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين،

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء:1] ؛

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب:70-71]،...

أما بعد: أيها المؤمنون:
إن شرف العلم بشرف المعلوم، وأشرف العلوم على الإطلاق ما يوصل إلى الله -تعالى-، ويعرِّف المخلوق بخالقه, ومن ذلك  أسماء الله الحسنى وصفاته العلى, والتي منها اسم الله “الحق”،

وقد ورد هذا الاسم في القرآن في عشرة مواضع،
من ذلك قول الله -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ) [الحج:6]،
وقوله -تعالى-: (فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) [المؤمنون: 116]،
وقوله -جل وعلا-: (ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ) [الأنعام:62].

فالله -عز وجل- هو الحق الموجود وجودًا دائمًا ثابتًا مستمرًّا  كاملاً ليس فيه نقص أبداً،
وهو حق في عبادته الذي لا تنبغي العبادة إلا له، فعبادته هي الحق، وعبادة غيره باطل، وقوله حق، وفعله، حق، ولقاؤه حق، ورسله حق، وكتبه حق، ودينه هو الحق، وكل شيء ينسب إليه -سبحانه- فهو حق.

والله -سبحانه- هو الحق الذي يقضي بالحق, فلا يظلم أحدًا لا في الدنيا ولا في الآخرة،
بل هو -سبحانه- حَكَمٌ عدل، (وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ).
 
والله -تعالى- هو الحق وما خلق الخلق إلا بالحق، قال -تعالى-: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ)،
وقال -سبحانه-: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ) [يونس:5]،
ويقول -عز وجل-: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ) [الدخان:38-39]،

فكل ذرة في هذا الكون إنما خُلقت بحق لحكمة يريدها الله -عز وجل- ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

وإن وجوده -عز وجل- هو أعظم حقيقة في هذا الكون كله، وقد ورد في القرآن جواب الرسل لأقوامهم حين قال هؤلاء الأقوام: (إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) [إبراهيم:9]،

فقالت لهم رسلهم: (أَفِي اللّهِ شَكٌّ) [إبراهيم:10]،

تشكُّون في ماذا؟!
تشكون في أعظم حقيقة في الكون كله؟!
بماذا يمكن أن تؤمنوا إذا لم تؤمنوا بالله (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) [الجاثية:6]؛
أيّ: علم يمكن أن يتحصله المرء  إذا لم يؤمن بالله؟
وأي حقيقة يمكن أن يتوصل إليها الإنسان إذا لم يقر بحقيقة وجود الله -عز وجل-؟!.

فمن عرف الله حق المعرفة فقد عرف حقيقته هو، وعرف حقيقة ما يجري في هذه الحياة،
وإن جميع علومنا ونظرياتنا واعتقاداتنا كلها مبنية على هذا الأساس، وحياتنا وتصرفاتنا وأعمالنا كلها مبنية على ذلك، وهو أن الله -عز وجل- هو الحق.

والله -عز وجل- الحقُّ ولقاؤه حق، (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) [الزمر:30-31]، (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) [ق:19],
وحين يجمع الحق -تعالى- الناس يوم القيامة فيؤتى بالذين كانوا يكذبون بهذا اللقاء وكانوا ينكرون هذا الموعد،
فيقول الله -سبحانه وتعالى- لهم: (أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ) [الأنعام:30].

عباد الله:
ولأن الله هو الحق فقد تكفل بإظهار الحق, وإعلاء الحق, ونصرة الحق, مهما تكالب أهل الباطل ومهما اجتمع الأعداء،
وقال -عز وجل-: (وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ) [الأنفال:7].
وقال: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ)،
وقال -سبحانه-: (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) [الإسراء:81].

والإسلام دين الحق الذي تكفل الله-تعالى- بإعلائه وظهوره على جميع الأديان،
قال -سبحانه-: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة:33].

إن الله -سبحانه –يجعل للباطل صولة حتى يُعرف الباطل ويتميز الحق،
ثم بعد ذلك ينصر الله -عز وجل- الحق ويعليه كما قال بعض العلماء: “إذا احتدمت المعركة بين الحق والباطل حتى بلغت ذروتها، وبذل كل فريق آخر ما لديه ليكسبها، فهناك ساعة حرجة يبلغ الباطل فيها ذروة قوته، ويبلغ الحق فيها أقصى محنته، والثبات في هذه الساعة الشديدة هو نقطة التحول والامتحان الحاسم لإيمان المؤمنين سيبدأ عندها فإذا ثبت تحول كل شيء بعدها لمصلحته“.

وهنا يبدأ الحق طريقه صاعدًا ويبدأ الباطل طريقه نازلاً (فَإِذَا جَاء أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ) [غافر:78].

اللهم انصر الحق وأهله واخذل الباطل وحزبه.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم...


*الخطبة الثانية*
الحمد لله رب العالمين والعقبة للمتقين،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إمام المتقين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه والتابعين،،،

أما بعد: عباد الله:
ورد في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في تهجده مثنياً على ربه -سبحانه-: “أنت الحق، ووعدك حق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- حق والساعة حق” (متفق عليه)؛
فمن مقتضيات اسم الله الحق دعاؤه بهذا الاسم.

ومن مقتضيات من يؤمن بأن الله -سبحانه- الحق: أن يؤمن بأن وعد الله حق، وأن كلامه -سبحانه- حق ولا يمكن أن يعتريه الخطأ، ولا يمكن أن يشوبه الخلل، لأنه كلام الله -عز وجل- ومن أصدق من الله قيلا، لا يحتاج إلى دليل لإثباته ولا إلى بينات لتأكيد صحته،
بل إن المؤمن يعتقد أن هذا الكلام هو بنفسه دليل حق لذاته يُحتج به، ولا حاجة لأن يُستدل له، وهو حق مطلق لا يمكن أن يكون فيه نقص أو خطأ أبداً،
قال الله -عز وجل-: (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ) [فصلت:42].

فعندما يقول الله -سبحانه-: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11]،

فهذه ليست نظرية للتغيير بل هي حقيقة لا مفر منها،
وحين يقول الله -تعالى-: (وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) [التوبة:28]،
ليست هذه أمنية أو حلمًا، بل هي وعد لا شك أنه سيتحقق ولو كانت المعطيات في الأرض كلها على خلاف ذلك.

وحين يقول الله -سبحانه-: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ) [النمل:62]،
وحين يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة:196]،
فليس هذا كلام لأجل التخفيف عن الناس بل حقيقة، ووعد ثابت، ولا يخلف الله وعده.

ومن مقتضيات اسم الله الحق: أن يقبل المسلم الحق ولا يرده, فالله الحق يريد من عباده أن يقوموا بالحق، وأن يقبلوه، فإذا جاءهم أخذوا به ولو كان ثقيلاً على نفوسهم، فإن للحق ثقلاً تأباه معه كثير من النفوس،
كما قال -سبحانه وتعالى- (وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) [الزخرف: 78].

والحق هو الصواب والخير والصحيح من الأقوال والأفعال، كما سبقت الإشارة إليه فيما ذكر من الكلام،
وما دلَّت عليه النصوص القرآنية والنبوية، وأنه هو الذي ينبغي أن يؤخذ به وأن يكون هو الدليل في الطريق إلى الخير، والحق أحق أن يتبع.

ومن مقتضياته: الجهر بالحق وعدم كتمانه, فالجهر بالحق حق،
قال –تعالى-: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) [آل عمران: 187],
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “أفضلُ الجهادِ كلِمةُ حقٍّ عندَ سُلطانٍ أو أميرٍ جائرٍ” (صحيح الترغيب).
ومن مقتضيات هذا الاسم: أن يعدل المسلم ولا يظلم,
قال -تعالى-: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 8],

وأهل الحق في القضاء وأهل الحق في الحكم هم أحباب الله -عز وجل- وأوليائه،

قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “إنَّ المقسطين يوم القيامة على منابر من نور، عن يمين الرحمن، -وكلتا يديه يمين- “من هم هؤلاء؟ 
قال: “الذين يعدِلون في حكمهم وأهليهم وما وَلُوا“، يعدلون إذا حكموا، ويعدلون في أسرهم بين أولادهم وفي حقوق زوجاتهم وما يتعلق بذلك، ويعدلون في ولايتهم ومسؤوليتهم التي يكلفون بها.

والحق -سبحانه – يحب من عباده الذين يقضون بالحق، قال -عز وجل- مادحا أمة من خلقه: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) [الأعراف:181]،

وكما خاطب الله -سبحانه- نبيه -صلى الله عليه وسلم- فقال له: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ) [المائدة: 48].

أيها المسلمون:
فإن التأمل في اسم الله الحق والسعي في تحصيل مقتضياته يورث العبد التوازن في تأدية الحقوق إلى أهلها دون إفراط أو تفريط؛
بدءا بحق الله الذي هو أعظم الحقوق وحقه -سبحانه- أن يُعبد ولا يشرك به شيئًا كما في الحديث،
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “حقَّ اللهِ على العبادِ أن يعبدوا اللهَ ولا يشركوا به شيئًا“.

ثم انتهاء بحق النفس والخلق ، فإن على المسلم حق لنفسه المتمثل في شقيه الحسي والمعنوي الديني والدنيوي؛
كذا بقية الحقوق؛ كحقوق الوالدين والزوجة والأبناء والأرحام وعامة المسلمين.

عباد الله:
آمنوا باسم الله الحق واعرفوا لله حقوقه وأدوها، وقوموا بالحق مع أنفسكم ومع الخلق تسعدوا في الدنيا وتغنموا في الآخرة.

فاللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه.


هـــذا ﻭﺻﻠﻮﺍ ﻭﺳﻠﻤﻮﺍ ﺭﺣﻤﻜﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﺍﻟﻤﻬﺪﺍﺓ، ﻭﺍﻟﻨﻌﻤﺔ ﺍﻟﻤﺴﺪﺍﺓ ،
النبي المصطفى والرسول المجتبى ،
ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻭﺇﻣﺎﻣﻨﺎ ﻭﻗﺪﻭﺗﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ بن عبد المطلب صاحب الحوض والشفاعة.

ﻓﻘﺪ ﺃﻣﺮﻛﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺎﻟﺼﻼ‌ﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼ‌ﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻘﻮﻟﻪ: {ﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻭَﻣَﻼ‌ﺋِﻜَﺘَﻪُ ﻳُﺼَﻠُّﻮﻥَ ﻋَﻠَﻰ ﺍﻟﻨَّﺒِﻲِّ ﻳَﺎ ﺃَﻳُّﻬَﺎ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﺁﻣَﻨُﻮﺍ ﺻَﻠُّﻮﺍ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺳَﻠِّﻤُﻮﺍ ﺗَﺴْﻠِﻴﻤًﺎ} [ﺍﻷ‌ﺣﺰﺍﺏ: 56].

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺻﻞِّ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺑﺎﺭﻙ ﻋﻠﻰ ﻧﺒﻴﻨﺎ ﻣﺤﻤﺪ، صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر،
ﻭﺍﺭﺽَ ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻋﻦ ﺧﻠﻔﺎﺋﻪ ﺍﻟﺮﺍﺷﺪﻳﻦ،
أبي بكر و عمر و عثمان و علي ، ﻭﻋﻦ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ، ﻭﻋﻦ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ، ﻭﻣﻦ ﺗﺒﻌﻬﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﻋﻨﺎ ﻣﻌﻬﻢ ﺑﻤﻨﻚ ﻭﺭﺣﻤﺘﻚ ﻳﺎ ﺃﺭﺣﻢ الراحمين ..

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واحم حوزة الدين يا رب العالمين..

اللهم احقن دمائنا واحفظ بلادنا وألف بين قلوبنا ... ومن أرادنا أو أراد بلادنا بسوء أو مكروه فرد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه ..

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺯﺩﻧﺎ ﻭﻻ‌ ﺗﻨﻘﺼﻨﺎ، ﻭﺃﻛﺮﻣﻨﺎ ﻭﻻ‌ ﺗﻬﻨﺎ، ﻭﺃﻋﻄﻨﺎ ﻭﻻ‌ ﺗﺤﺮﻣﻨﺎ، ﻭﺁﺛﺮﻧﺎ ﻭﻻ‌ ﺗﺆﺛﺮ ﻋﻠﻴﻨﺎ، ﻭﺍﺭﺽ ﻋﻨﺎ ﻭﺃﺭﺿﻨﺎ،
ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺍﺟﻌﻞ ﺯﺍﺩﻧﺎ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ، ﻭﺯﺩﻧﺎ ﺇﻳﻤﺎﻧﺎً ﻭﻳﻘﻴﻨﺎً ﻭﻓِﻘﻬﺎً ﻭﺗﺴﻠﻴﻤﺎً،

اللهم إنا نعوذ بك من همزات الشياطين وَنعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ ..
اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وتولى أمرنا وردنا إلى دينك رداً جميلاً ...

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﺎ ﻧﺴﺄﻟﻚ ﻣﻮﺟﺒﺎﺕ ﺭﺣﻤﺘﻚ، ﻭﻋﺰﺍﺋﻢ ﻣﻐﻔﺮﺗﻚ، ﻭﺍﻟﺴﻼ‌ﻣﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺇﺛﻢ، ﻭﺍﻟﻐﻨﻴﻤﺔ ﻣﻦ ﻛﻞ ﺑﺮ، ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﺎ ﻧﺴﺄﻟﻚ ﺍﻟﻔﻮﺯ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ ﻭﺍﻟﻨﺠﺎﺓ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺭ ،

ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻻ‌ ﺗﺪﻉ ﻟﻨﺎ ﺫﻧﺒﺎً ﺇﻻ‌ ﻏﻔﺮﺗﻪ، ﻭﻻ‌ ﻫﻤﺎً ﺇﻻ‌ ﻓﺮﺟﺘﻪ، ﻭﻻ‌ ﺩﻳﻨﺎً ﺇﻻ‌ ﻗﻀﻴﺘﻪ، ﻭﻻ‌ ﻣﺮﻳﻀﺎً ﺇﻻ‌ ﺷﻔﻴﺘﻪ، ﻭﻻ‌ ﺣﺎﺟﺔً ﺇﻻ‌ ﻗﻀﻴﺘﻬﺎ ﻭﻳﺴّﺮﺗﻬﺎ ﻳﺎ ﺭﺏّ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ،
ﺭﺑﻨﺎ ﺁﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﺴﻨﺔ ﻭﻓﻲ ﺍﻵ‌ﺧﺮﺓ ﺣﺴﻨﺔ ﻭﻗﻨﺎ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻨﺎﺭ...

عبــاد الله:
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون...

فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون...
والحمد لله رب العالمين ...

*نشر العلم صدقة جارية فأعد نشرها*
*ولا تبخل على نفسك بالأجـر العظيم*
=======================
ـــــــ🕋 زاد.الـخـطــيــب.tt 🕋ــــــــ
منــبرالحكـمــةوالمـوعـظـةالحســنـة.tt
رابط التليجرام👈 www.tgoop.com/ZADI2
للإشتراك بشبكة زاد الخطيب الدعوي
ارسل.اسمك.للرقم.730155153.tt
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
🎤
*خطبة جمعة بعنوان:*
*دعوة المظلوم تبشير وتحذير*
*للشـيخ / عبـدالله العـواضي*
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

*الخطبة الأولى:*
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

أيها الناس: حينما يُقتل الأبرياء، ويُقهر الضعفاء، ويتجبر الأقوياء، فلا حُزْنَ؛ فهناك مدعوٌ، وهناك دعوة، وعندما تُسلب الحقوق، فيأخذ القويُّ حقَ الضعيف، والغنيُّ حق الفقير، وصاحب الجاه حقَ من تحته فلا أسى؛ فهناك مدعو، وهناك دعوة، ويوم تكثر دموعُ المظلومين، ويشتد أنين المكروبين؛ لفشو ظلم الظالمين، وجور الجائرين، فلا كمدَ؛ فهناك مدعو وهناك دعوة، وإذا يبلغ الضرُّ منتهاه، والضيق مَداه، فلا حَزَن؛ فهناك مدعو، وهناك دعوة.

عباد الله: نَعمْ؛ حينما تتكاثف هذه الليالي المدلهمّة، والأوجاع الخاصة والعامة؛ فإنها تفتح بابَ أملٍ فسيح يخفف الحزن أو يذهبه، وترفع رأسَ الإنسان إلى السماء، وتعلّق قلبه بخالق الحياة والأحياء؛ ليرجوَه ويدعوه.

فهناك هناك يجد مدعواً يدعوه، وربّاً قادراً يرجوه, يجد مدعواً رحيمًا هو الله -سبحانه وتعالى-، الذي هو أرحم بالعبد من نفسه، وأرحم به من أبيه وأمه، وأرحم به من كل راحم؛ فيرحم حالَه، ويجيب سؤاله، ويعطيه نواله، رحمة به ورأفة، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)[النساء:29]، ويجد المظلوم مدعواً عليمًا محيطًا علمُه بكل شيء، فيعلم ما مسّه، ويعلم مَن ظلمه، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ)[آل عمران: 5]، ويجد المظلوم مدعواً خبيراً بصيراً يرى بطش من ظلمه، وجورَ من جار عليه، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)[البقرة: 110]، ويجد المظلوم مدعواً سميعًا قريبًا مجيبًا، قال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)[البقرة: 186], قال الشاعر:

لا تظلمنَّ إذا ما كنتَ مقتدراً *** فالظلم مصدره يُفضي إليه الندمِ
تنام عيناك والمظلوم منتبهٌ *** يدعو عليك وعينُ الله لم تنمِ

ويجد المظلوم مدعواً قويًا قادراً، عزيزاً قاهراً، سيأخذ له حقه، وينتقم له ممن ظلمه، قال -تعالى-: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا)[الأحزاب:27]، وقال: (إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ)[إبراهيم:47]، ويجد المظلوم مدعواً حكمًا عدلاً، سينصف له، ويستوفي له حقه ممن تعدى عليه، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)[النساء:40].

إذن كيف يحزن مظلوم له رب رحيم، سميع عليم، قدير قريب، قوي مجيب، حكم عدل، خبير بصير؟! فيا ويل من يظلم إنسانًا لا يجد له ناصراً إلا الله -تعالى-، ويا ويل من يظلم إنسانًا لا يجد له معينًا إلا الله، ويا ويل من يظلم إنسانًا لا قوةَ له إلا بالله!, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنها تُحمل على الغمام يقول الله -جل جلاله-: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين"(رواه الطبراني), قال الشاعر:

ألا قولوا لمن قد تقوّى *** على ضعفي ولم يخشَ رقيبهْ
خبَأتُ له سهامًا في الليالي *** وأرجو أن تكون له مُصيبهْ

أيها المسلمون: وفي خضم تلك المظالم هناك دعوة، ولكنها ليست ككل دعوة، إنها دعوة المظلوم التي تُرفع إلى الحي القيوم, إنها أقوى الأسلحة في ردع الظلم، وإهلاك الظالمين، إنها سلاح فتّاك يلاحق الظالمين إلى كل مكان كانوا فيه مهما امتد بهم الزمن، ولا يمكنهم ردُّه أو دفعه بأي سلاح، إن دعوة المظلوم لهبٌ حارق، ونار مضطرمة، ترمي الظالمين بشررٍ كالقصر، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
"اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة"(رواه الحاكم), قال ابن القيم -رحمه الله- في (بدائع الفوائد): "لا تحتقر دعاء المظلوم؛ فشرر قلبه محمول بعجيج صوته إلى سقف بيتك، ويحك! نبال أدعيته مصيبة، وإن تأخر الوقت، قوسه قلبُه المقروح، ووتره سواد الليل، وأستاذه صاحب: "لأنصرنك ولو بعد حين"، وقد رأيتَ، ولكن لستَ تعتبر، احذر عداوة من ينام وطرفه باكٍ يقلب وجهه في السماء، يرمي سهامًا ما لها غرض سوى الأحشاء منك".

دعوة المظلوم سفينة فضائية سريعة أسرع من الضوء، بل لا تقاس بسرعة أسرع شيء في حياتنا، هذه السفينة تنطلق حاملة أنين المكلومين، ودموع المقهورين، وتوجع المتوجعين، وآهات المتأوهين، ورجاء الآملين بمن لا يظلم عنده أحد، وبمن حرم الظلم على نفسه، وجعله بين عباده محرمًا، الذي قال عن نفسه: (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)[الكهف:49], قيل لعلي -رضي الله عنه-: كم بين العرش والتراب؟ فقال: "دعوة مظلوم مستجابة".

إنها دعوة لا تقف أمامها الأبواب، ولا تصدّها الشُرَط ولا الحُجّاب، وكلما قوي الظلم قويت ضراعة المظلوم؛ فالتهبت دعوته فكانت أسرع نفاذاً، وأقرب قبولاً؛ لأنها اتجهت إلى باب الله، ولم تتجه إلى أبواب رؤساء الدنيا وملوكها:

وأفنيةُ الملوك محجّباتٌ *** وباب الله ليس له فناء

أيها الأحبة الفضلاء: إن دعوة المظلوم دعوة مستجابة مسموعة لا تُرد؛ لأنها صدرت من لسان الاضطرار، ولسان التفويض الكامل من العبد الفقير الضعيف العاجز, إلى المعبود الغني القوي القادر، قال -تعالى-: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)[النمل: 62], قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وإياك ودعوة المظلوم؛ فإنها تستجاب"(رواه الطبراني)، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "ثلاث لا ترد دعوتهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم"(رواه أحمد وابن حبان).

ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن يحيى بن خالد البرمكي -أحد وزراء بني عباس- قال له أحد بنيه -وهما في السجن والقيود-: يا أبت! بعد الأمر والنهي والنعمة صرنا إلى هذا الحال! فقال: يا بني، دعوة مظلوم سرتْ بليلٍ ونحن عنها غافلون، ولم يغفل الله عنها! ثم أنشأ يقول:

ربَّ قومٍ قد غدوا في نعمةٍ *** زمنًا والدهر ريّانُ غدِقْ
سكت الدهر زمانًا عنهمُ *** ثم أبكاهم دمًا حين نطقْ

معشر المسلمين: إن دعوة المظلوم مستجابة ولو كانت من فاجر أو من كافر، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ -رضي الله عنه- حينما بعثه إلى أهل اليمن, وكان أهل اليمن آنذاك أهل كتاب: "اتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب"(متفق عليه), وقال -عليه الصلاة والسلام-: "اتقوا دعوة المظلوم -وإن كان كافرا -؛ فإنه ليس دونها حجاب"(رواه أحمد), وقال: "دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً؛ ففجوره على نفسه"(رواه أحمد).

يا أيها المظلومُ سَلِّ شجاكا *** بُشراك هلّتْ من سَما مَولاكا
وتنزّلتْ والظلمُ يبسطُ عسفَهُ *** تروي غليلَك في عتوِّ صَداكا
الله أرحمُ مَنْ تلوذُ ببابِه *** والله أقربُ من يَليْ شكواكا
والله يسمعُ كلَّ حرفٍ موجَعٍ *** فاهتْ لسانُك قائلاً رُحماكا
والله يبصرُ أفْقَك المنهوكَ ما *** يبدو عليه ضياؤه لأساكا
والله يعلمُ من رماك بجَوره *** ويرى على موجِ العَنا بلواكا
وهو القديرُ المستعانُ به على *** قهرِ الذي أشجاك في نُعماكا
وهو القويُّ وذو الكمال فإن تَعُذْ *** بجنابه وبعزّه نجاكا
فانزعْ لباسَ الحُزْنِ والْبسْ باسمًا *** ثوبَ السرور فلن يخيب رجاكا
واقبرْ عنادَ اليأسِ وابعثْ للعلا *** رُوحَ التفاؤلِ في جسومِ مُناكا
واعلمْ بأنَّ الظلمَ يسرعُ بالفتى *** نحوَ الهلاكِ ويحصدُ السفّاكا
فانعَمْ فإنّ اللهَ ليس بغافلٍ *** أو مُهمِلٍ ذاك الذي أشقاكا
واصبرْ فعُقبى الصبرِ تشرقُ بالذي *** يُطفي لهيبًا ظلَّ جُرحَ حشاكا

أيها المسلمون: إن الظلم جريمة عظيمة، لا تقع في مجال واحد أو في جهة معينة، بل يقع مع جهات متعددة، ومجالات كثيرة، فالظلم يقع بين الأقربين، كما يقع بين الأبعدين، فيقع من الأولاد لوالديهم، ويقع بين الزوجين، ويقع بين الأقارب، وبين الجيران، وبين الأصدقاء، وبين الراعي والرعية، وبين الناس ممن ليست بينهم هذه الوشائج.

فمن الأولاد من يظلم والديه بقلة بره، وكثرة عقوقه، فكم من ابن عق أباه أو أمه، وكم من بنت عقت أباها أو أمها، فصبر الوالدان، لكن استمر لهيب العقوق، واختفت ظلال البر، فلم يجد الوالدان أو أحدهما -عند ذلك- إلا الدعاء على الابن العاق أو البنت العاقة، فتصعد دعوة مظلوم -وأي مظلوم! إنه أب أو أم!- إلى السماء؛ فتستنزل من ربها العقوبة على الأولاد الظالمين بالعقوق, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة الوالد, ودعوة المسافر, ودعوة المظلوم"(أبو داود، والترمذي، وابن ماجه).
وقد يكون الظلم بين الزوجين؛ فيقهر زوج زوجته القائمة بحقوق الله وحقوقه، فيمنعها ما يجب عليه من الحقوق، ويتعدى عليها بما يؤذيها، وليس لها من يردعه عن غيه، ويعيده إلى رشده، فلا تجد لها ناصراً إلا دعوة مظلوم ترفعها إلى الحي القيوم، وقد تكون الزوجة هي الظالمة لزوجها بإيذائها له، وتسلطها عليه، ومنعها حقوقه، وليس من قدرة لكبح جماح ظلمها لضعفه، أو لقوتها بقرابتها، فيرفع يدية إلى السماء تحملان معهما دعوة مظلوم لم يجد من ينصف له في الأرض.

وقد يكون الظلم بين الجيران؛ فيظلم جارٌ قويٌ قادر جاراً ضعيفًا عاجزاً، أو يكذب عليه حتى يأخذ حقه، ويستولي عليه ظلمًا وعدوانًا، ولا مغيث لذلك الجار يرد له حقه، إلا دعوة مظلوم يرسلها إلى عَنان السماء إلى الحكم العدل -سبحانه وتعالى-، جاء في الصحيحين عن محمد بن عبد الله بن عمر أن أباه حدثه عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: "أن أروى خاصمته في بعض داره فقال: دعوها وإياها؛ فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من أخذ شبراً من الأرض بغير حقه؛ طوقه في سبع أرضين يوم القيامة", اللهم إن كانت كاذبة فأعم بصرها، واجعل قبرها في دارها، قال: فرأيتها عمياء تلتمس الجدر تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد، فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار فوقعت فيها فكانت قبرها".

أيها المسلمون: وقد يكون الظلم بين الأقارب، فربَّ قريبٍ يظلم أخاه، أو أخته، أو عمه، أو عمته، أو خالته، أو أولادهم، وليس للمظلوم قدرة على الانتصار، وأخذ الحق من الظالم، فتخرج عند ذلك من القلب المكلوم دعوة مظلوم، ترتفع إلى من لا يظلم عنده أحد.

إن رسولنا -صلى الله عليه وسلم- لم يسلم من ظلم أقاربه، فقد أخرج الحاكم في مستدركه -بسند صحيح- عن أبي نوفل بن أبي عقرب عن أبيه قال: كان لهب بن أبي لهب يسب النبي -صلى الله عليه وسلم-: فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم سلط عليه كلبك"، فخرج في قافلة يريد الشام، فنزل منزلاً فقال: إني أخاف دعوة محمد -صلى الله عليه وسلم-، قالوا له: كلّا، فحطوا متاعهم حوله، وقعدوا يحرسونه، فجاء الأسد فانتزعه فذهب به.

وقد يكون الظلم بين الراعي والراعية؛ فقد يوجد راعٍ يحكم رعيته بالجور والعسف، وسلب الحقوق، وكثرة الإضرار بهم، ورعيةٍ يظلمون راعيهم بعدم السمع والطاعة في المعروف، أو بالطعن فيه، وإحداث الأعمال المحظورة التي تؤذيه، فعند ذلك تصعد دعوة مظلوم إلى السماء تستنزل العقوبة على الظالم راعيًا كان أو مرعيًا.

ففي محنة خلق القرآن التي ابتلى بها المأمون العباسي الناسَ وثبت فيها بعض العلماء، كان على رأسهم الإمام أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح -رحمهما الله-، ذكر ابن كثير في البداية والنهاية: أنهما حُملا على بعير وسيرَ بهما إلى الخليفة عن أمره بذلك، وهما مقيدان متعادلان في محمل على بعير واحد, فلما اقترابا من جيش الخليفة ونزلوا بمرحلة جاء خادم -وهو يمسح دموعه بطرف ثوبه- ويقول: يعز عليّ -أبا عبدالله- أن المأمون قد سلّ سيفًا لم يسله قبل ذلك، وإنه يقسم بقرابته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لئن لم تجبه إلى القول بخلق القرآن ليقتلنك بذلك السيف، قال: فجثا الإمام أحمد على ركبتيه، ورمق بطرفه إلى السماء، وقال: "سيدي غرَّ حلمك هذا الفاجر؛ حتى تجرأ عَلَى أَوْلِيَائِكَ بِالضَّرْبِ وَالْقَتْلِ، اللَّهُمَّ فَإِنْ يَكُنِ الْقُرْآنُ كَلَامُكَ غَيْرَ مَخْلُوقٍ؛ فَاكْفِنَا مُؤْنَتَهُ"، قال: فجاءهم الصريخ بموت المأمون في الثلث الأخير من الليل، قال: أحمد ففرحنا.

وعن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: "شكا أهل الكوفة سعداً إلى عمر -رضي الله عنه-، فعزله واستعمل عليهم عماراً، فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي، فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحاق! إن هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي؟ قال أبو إسحاق: أما أنا -والله- فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أخرم عنها: أصلي صلاة العشاء فأركد في الأولين، وأخف في الأخريين، قال: ذاك الظن بك يا أبا إسحاق، فأرسل معه رجلاً أو رجالاً إلى الكوفة فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجداً إلا سأل عنه، ويثنون معروفًا، حتى دخل مسجداً لبني عبس فقام رجل منهم يقال له: أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة قال: أما إذ نشدتنا فإن سعداً كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية، قال سعد: أما والله لأدعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا قام رياء وسمعة؛ فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن، وكان بعد إذا سُئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد، قال عبد الملك: فأنا رأيته بعدُ قد سقط حاجباه على عينيه من الكِبَر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهن"(رواه البخاري).

أيها الأخوة الأفاضل، نقول لكل مظلوم: أبشر، ولكن اشكُ مظلمتك إلى الله -تعالى- وحده، ولا تعرض مصيبتك من ظالمك على من لا يقدر على نصرك، أما من يعين على استرجاع الحق ودفع الظلم فلا بأس.
وعليك أن تدعو مخلصًا متضرعًا، مستمراً بلا استعجال؛ فقد يكون تأخير العقوبة على من ظلمك وظلم غيرك خيراً للمظلوم، وشراً على الظالم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون، قال -تعالى-: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)[آل عمران:178].

وعليك أن لا تعتدي في الدعاء على من ظلمك، فلتكن دعوتك على قدر مظلمتك, وعليك أن لا تظلم أحداً؛ لكي تنال نصر الله لك، فهو نعم المولى ونعم النصير لمن لم يكن من الظالمين.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

-------------------------------------------------

الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: أيها المسلمون: نداء لكل ظالم، ونصيحة لكل غاشم، ارفع يد الظلم، واكفف عن الإيذاء لخلق الله، قبل أن تدركك دعوات المظلومين، وتحيط بك عقوبة رب العالمين، وقبل أن تغادر الدنيا حاملاً مظالم الناس على ظهرك؛ لتقف بين يدي الحكم العدل لينتصف لمظلوميك منك.

فسارع إلى التوبة إلى الله، ورد المظالم إلى أهلها-إن كانت مما يُرد- قبل أن يفجأك الموت فتقضي المظلومين من حسانتك، وتحمل من سيئاتهم, قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يجيء الرجل يوم القيامة من الحسنات ما يظن أن ينجو بها، فلا يزال يقوم رجل قد ظلمه مظلمة: فيؤخذ من حسناته فيعطى المظلوم، حتى لا تبقى له حسنة، ثم يجيء من قد ظلمه، ولم يبق من حسناته شيء، فيؤخذ من سيئات المظلوم فتوضع على سيئاته"(رواه الطبراني), وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه"(رواه البخاري).

فخفِ القصاص غداً إذا وفّيتَ ما *** كسبتَ يداك اليوم بالقسطاس
إن تمطلِ اليوم الحقوقَ مع الغنى *** فغداً تؤديها مع الإفلاس

عباد الله: ومما ينبغي أن يسارع إليه الظالم التائب وغيرُه من المسلمين: نصرةُ المظلومين، ودفع الظلم عنهم، وإعانتهم، والتفريج عنهم؛ فقد كان من الأوامر التي أمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نصرُ المظلوم"(متفق عليه), وقال -عليه الصلاة والسلام-: "وأعينوا المظلوم"(رواه أحمد والترمذي), وقال أيضًا: "ومن مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه؛ ثبت الله قدميه على الصراط يوم تزول الأقدام"(رواه أبو نعيم وابن أبي الدنيا وحسنه الألباني).

عبادَ اللهِ: وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب: 56].
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد.
وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين، أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واحمي حوزة الدين يا رب العالمين.

اللهم بارك لمن حَضَرَ معنا صلاتنا هذه في علمه وعمره وعمله، وبارك له في بدنه وصحته وعافيته، وبارك له في أهله وولده، وبارك له في ماله ورزقه، واجعله يا ربنا مباركًا موفقًا مسددًا أينما حَلَّ أو ارتحل.
اللّهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها.
اللّهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.
اللّهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا إن ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) ، فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
🎤
*خطبة جمعة بعنوان:*
*شرف الدفاع عن الأوطان*
*للشيخ/ أيمن حمدى الحداد*
🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌🕌

*الخطبة الأولى:*
الحمد لله الملك الحق الديان الذى أودع في القلوب حب الأوطان وغرس الحنين إليها في فطرة الإنسان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المنعم المنان

واشهد أن سيدنا محمداً عبدالله ورسوله المؤيد بالحق والبرهان اللهم صل وسلم وبارك عليه حق قدره ومقداره العظيم وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين ومن أتبع هداهم بإحسان إلى يوم الدين

أما بعد؛ فيا أيها المسلمون:
إن حب الأوطان والحفاظ علي قوتها والدفاع عنها والتضحية من أجلها فطرة إنسانية أكدها الإسلام لذا كان تراب الوطن الذى تطؤه برجليك عديلاً لنفاسة روحك التي بين جنبيك؛ قال تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا﴾(النساء: ٦٦)، فجعل الله عزّ وجل مفارقة الروح للبدن كمفارقة الإنسان لوطنه.

عباد الله: إن الدفاع عن الأوطان والتضحية من أجلها شرف عظيم يجب تربية الأجيال عليه من خلال الإيمان بالأتى؛
أولاً: حب الوطن دعت إليه جميع الشرائع؛

– سيدنا رسول الله ﷺ عندما أخرجه المشركون من مكة المكرمة، خاطبها قائلاً: «ما أطيبَكِ من بلَدٍ وأحبَّكِ إلَيَّ، ولولا أنَّ قومِي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيرَكِ» رواه الترمذي من حديث عبد الله بن عباس.
ولما استقر سيدنا رسول الله ﷺ بالمدينة المنورة دعا ربه قائلاً: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ، وصَحِّحْهَا، وبَارِكْ لَنَا في صَاعِهَا ومُدِّهَا، وانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بالجُحْفَةِ» متفقٌ عليه.
وعن أنس رضى الله عنه أن رسول الله ﷺ: «كانَ إذَا قَدِمَ مِن سَفَرٍ، فَنَظَرَ إلى جُدُرَاتِ المَدِينَةِ، أوْضَعَ رَاحِلَتَهُ، وإنْ كانَ علَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا؛ مِن حُبِّهَا» رواه البخاري.

وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء طائفة من محبوباته ﷺ فقال: كان يحب عائشة ويحب أباها ويحب أسامة ويحب سبطيه ويحب الحلواء والعسل ويحب أحد ويحب وطنه.
– وهذا خليل الله إبراهيم عليه السلام يدعو لوطنه قائلاً: ﴿رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾(إبراهيم: ٣٥)،

– وكليم الله موسى عليه السلام يأخذه الشوق والحنين إلى وطنه مصر فبمجرد أن قضى الأجل الذى كان بينه وبين نبي الله شعيب عليه السلام عاد مسرعاً بكل شغف، وحب للبلد الذى ولد فيه، وتربى على أرضه.
ولله در أمير الشعراء حيث جسد حقيقة حب الوطن والحفاظ عليه وبذل النفس رخيصة من أجله فقال:
بلاد مات فتيتها لتحيا
وزالوا دون قومهم ليبقوا
وقفتم بين موت أو حياة
فإن رمتم نعيم الدهر فاشقوا
وللأوطان في دم كل حر
يد سلفت ودين مستحق
ومن يسقى ويشرب بالمنايا
إذا الأحرار لم يسقوا ويسقوا
ولا يبنى الممالك كالضحايا
ولا يدنى الحقوق ولا يحق
ففي القتلى لأجيال حياة
وفى الأسرى فدى لهم وعتق
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة يدق

– تكريم الله عز وجل لمصر حيث جعلها أرضاً للأنبياء؛ فعلى أرض مصر وُلد نبي الله إدريس وعاش الخليل ابراهيم ويعقوب ويوسف وعيسى وموسى وهارون ولقمان عليهم السلام؛ وعلى أرض مصر ضرب موسى عليه السلام بعصاه فانفلق الحجر له ماءً وانشق البحر فكان كل فرق كالطود العظيم قال تعالى: ﴿فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ﴾
(البقرة: ٦٠)، ويقول جل وعلا: ﴿فَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ﴾ (الشعراء: ٦٣)،

– ولقد بَشّر سيدنا رسول الله ﷺ أصحابه بفتح مصر وجعل الإحسان إلى أهلها وصية له فقال ﷺ: «إِنَّكم ستفتحونَ مصر، وهِيَ أرضٌ يُسَمَّى فيها القيراطُ، فإذا فتحتُموها، فاستَوْصُوا بأَهْلِها خيرًا، فإِنَّ لهم ذمَّةً، ورَحِمًا» رواه مسلم.
وبين سيدنا رسول الله ﷺ أن أهل مصر، مرابطون إلى يوم القيامة؛ فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت النبي ﷺ يقول: «إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا منها جندا كثيفاً فذلك الجند خير أجناد الأرض فقال أبوبكر: و لم يا رسول الله؟ قال: «لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة».
ولقد شهد بفضائل مصر وأهلها كثير من أصحاب النبي ﷺ من ذلك؛
– شهادة عبدالله بن عمرو بن العاص رضي اللّه عنه حيث قال: أهل مصر أكرم الأعاجم كلها وأوسعهم يداً وافضلهم عنصراً واقربهم رحماً بالعرب عامة وبقريش خاصة.
هذا ما شهد به عبدالله بن عمرو لأهل مصر، يؤيد هذا ما حدث فى عام الرمادة، حين أصاب القحط مدينة سيدنا رسول الله ﷺ فأرسل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عمرو بن العاص والى مصر يطلب منه الغوث؟ فأرسل إليه عمرو بن العاص قائلا: لأرسلن إليك بقافلة أولها عندك وآخرها عندي فأرسل إليه بألف بعير تحمل الدقيق، وبعث في البحر بعشرين سفينه تحمل الدهن، وبعث إليه بثلاثة آلاف عباءة أمده بذلك كله فمصر هي التي أغاثت أصحاب سيدنا رسول الله ﷺ..
– شهادة أبو موسى الأشعري رضي الله عنه حيث قال: أهل مصر الجند الشداد ما كادهم أحد إلا كفاهم الله مؤنته.

– شهادة كعب الأحبار حيث قال: مصر بلد معافاة من الفتن من أرادها بسوء أكبه الله على وجهه. مصر الكنانة الله يحرسها عطفاً و يرعها
نسألك يا رب أن تحمى مرابعها فالشمس عين لها والليل نجواها
والسنبلات تصلى في مزارعها
والعطر تسبيحها و القلب مرعاها
مآذن النور في آفاقها سطعت
كأنها أعين بالنور ترعاها
يارب وفق حماة الأرض أن يصلوا تاريخها بغد في الغيب يلقها

ثانياً: دور مصر فى الدفاع عن حياض الإسلام؛
إن لمصر دوراً رائداً في الدفاع عن حياض الإسلام وأرض العرب، فمصر هى الصخرة الصماء التى تحطمت عليها كل قوى الباطل فى القديم والحديث من ذلك؛

– فتح بيت المقدس؛ لقد خاض المسلون معارك كثيرة من أجل إستعادة بيت المقدس ودحر العدوان الصليبى على بلادهم، وكان من أهم تلك المعارك معركة حطين ٥٨٣ هجرياً - ١١٨٧ ميلادياً لقد ضحى المسلون بدمائهم وبذلوها رخيصة من أجل إستعادة بيت المقدس، عندما دعا الملك الناصر صلاح الدين الأيوبى إلى النفير العام والتعبئة العامة جاء المتطوعون من كل حدب وصوب وتحركت الجيوش من أرض مصر الطيبة الطاهرة لتخلص المسلمين وبلادهم من شر العدوان الصليبى تقدم صلاح الدين بجيوشه إلى نهر الأردن فاستولى على جزيرة طبرية فقطع الماء عن الصليبيين حاول الصليبيون بقيادة ريموند الثالث الوصول إلى مرتفعات حطين كى يحصلوا على الماء لكن المسلمين منعوهم من ذلك حيث سيطر المسلمون على بحيرة طبرية اشتد الظمأ بالصليبين وبلغ مبلغاً عظيماً واعمل المسلمون فيهم القتل ودارت رحى المعركة فى حطين فظفر بهم المسلمون وأسروا ملك بيت المقدس- جاى لوزجنان وأرناط - وعدد من امرائهم، واستطاعوا تحرير مدن - عكا وبيروت وعسقلان- وغيرها من المدن الساحلية حتى فتحوا بيت المقدس عام ٥٨٣ هجرياً.

– معرکة دمياط وأسر لويس التاسع؛ لقد هاجم الصليبيون دمياط بقيادة لويس التاسع واستطاعوا الإستيلاء على دمياط فقام السلطان نجم الدين أيوب بالتصدى لتلك الحملة الصليبية على مصر لكن الملك الصالح مات قبل أن يكمل المهمة وهو مرابط فى سبيل الله بالمنصورة فى ليلة النصف من شعبان فأخفت زوجه شجرة الدر خبر وفاة الملك لئلا تخور عزائم الجند وتضعف معنوياتهم فلله درها إمرأة شجاعة تغار على الإسلام والمسلمين فتتحمل أعباء إدارة المعركة فاستدعت توران شاة ابن الملك الصالح وتولى قيادة الجيوش الأمير بيبرس البندقدارى والذى تمكن بحول الله وقوته من هزيمة الصليبيين وأسر ملكهم لويس التاسع فى معركة درات فى مدينة فارسكور وحبس لويس التاسع فى دار بن لقمان بالمنصورة وتم فدائه بالمال هو ومن معه من الأمراء.

– القضاء على المغول فى عين جالوت؛ لقد احتل المغول بغداد واسقطوا الخلافة وقتلوا الخليفة وسفكوا الدماء وانتهكوا الحرمات وأرسل هولاكو برسالة تهديد إلى قظز فلم يفت ذلك في عضد المصريين وتجهزت الجيوش بقيادة سيف الدين قطز وتوجهت نحو عين جالوت بفلسطين فلم ينتظر قطز مهاجمة المغول مصر بل خرج إلى عين جالوت ليبدأ بالهجوم ولما بدأت المعركة حمل المغول على جيوش قطز رأى ذلك قطز فخاف أن يفر الجنود أمام شراسة المغول فألقى خوذته على الأرض وصرخ بأعلى صوته: اللهم أنصر عبدك الفانى وصرخ بأعلى صوته "واسلاماه واسلاماه واسلاماه" ثم أخذ يحمل سيفه ويشق صفوف الأعداء فالتف حوله الجنود فى ملحمة عظيمة من الجهاد مما أفقد المغول صوابهم وتكبدوا خسائر هائلة ومكن الله المسلمين من رقابهم فقتلوا قائد الجيش المغولى كتبغا وارتفعت الأصوات بالتكبير والتهليل فهزم المغول
وولوا الأدبار وقتل منهم عدداً كبيراً وفر الباقون يجرون ورائهم أذيال الهزيمة والخزى والعار وبذلك تحطم غرور التتار أمام قوة وشجاعة المسلمين وبهذا تكون مصر قد خلصت العالم العربى من همجية المغول قال تعالى: ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾(الأنعام: ٤٥)

– ولقد أستمرت مصر فى مواجهة قوى الإحتلال الحديث؛ فخاض المصريون معارك ضارية ضد الإحتلال البريطانى لمصر وضحى الشهداء بأرواحهم من أجل تحرير بلادهم من قبضة الإنجليز على مدار سبعين عاماً حتى كشف الله الغمة وتحررت مصر وأصبحت دولة مستقلة ذات سيادة على أرضها ولك أن تتخيل حجم الكفاح والجهاد الذى أستمر منذ دخول الإنجليز مصر سنة ١٨٨٢ حتى قيام ثورة الضباط الأحرار عام ١٩٥٢ ميلادياً لتبدأ مرحلة جديدة من الكفاح ضد العدوان الثلاثى ثم الإحتلال الإسرائيلى لسيناء الحبيبة سنة ١٩٦٧ميلادياً حتى أذن الله تعالى بالنصر المؤزر فى العاشر من رمضان السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣ ميلادياً، عندما خاض جنودنا البواسل معركة العبور وكان شعارهم - الله أكبر الله أكبر - فأيدهم الله بنصره، وهُزم اليهود هزيمة منكرة، وتبدد غرورهم، وتحطمت أسطورة الجيش الذى لا يُقهر، وَدُمر خط بارليف أكبر مانع ترابى فى العصرالحديث؛ قال تعالى: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾(المجادلة: ٢١)،

وهذا هو قدر مصر فهى الدرع الواقي للأمتين العربية والإسلامية، وهى الحصن الحصين للعرب والمسلمين وهى درة تاج العرب والمسلمين.

فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على مصر، واعملوا من أجل رفعتها ورقيها وقوتها.
أقول قولى هذا واستغفر الله العظيم لى ولكم..


*الخطبة الثانية:*
الحمدلله وكفى وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى أما بعد: فيا عباد الله هذه دلائل شريعة الإسلام تكتنفها فطر وعقول الأنام في حب الأوطان والسعي إلى جعلها ديار سلام وأمن وأمان واستقرار فتذكروا عباد الله نعمة الله عليكم قال تعالى:﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾(الأنفال: ٢٦)،

ثالثاً: حماية الوطن، والعمل على قوته، وحفظه من الاضطرابات والغوائل وسلامة أمنه واستقراره من أهم ما دعت إليه شريعتنا الغراء؛ فكل واحد منا مسؤول عن حفظ الوطن وألا يؤتى من قبله، واعلموا أن أخطر ما يواجه الأوطان هو أن يتحول أمنها واستقرارها إلى خوف، فالأمن والأمان من أعظم نعم الله على خلقه، قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾(العنكبوت: ٦٧)، وبالأمن والأمان تنعم الأوطان وتزدهر، ولقد امتن الله عزّ وجل على أهل مكة بتلك النعمة قال تعالى: ﴿لإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ﴾،
ويقول النبي ﷺ: « من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا» الأدب المفرد البخاري.

ولقد ضرب الرسول ﷺ أروع الأمثلة في حماية الأوطان والذود عنها فلما فَزِعَ أهلُ المدينةِ ذاتَ ليلةٍ فانطلقَ الناسُ قِبَلَ الصَّوْتِ فَاسْتَقْبَلهُمُ النبيُّ ﷺ قد سَبَقَ الناسَ إلى الصَّوْتِ وهوَ يقولُ لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا وهوَ على فَرَسٍ لِأَبي طلحةَ عُرْيٍ ما عليهِ سَرْجٌ في عُنُقِهِ سَيْفٌ فقال لقدْ وجَدْتُهُ بَحْرًا أوْ إنَّهُ لَبَحْرٌ ) متفقٌ عليه.

ولقد بشر سيدنا رسول الله ﷺ من بات يحرس في سبيل الله بالنجاة من النار فقال ﷺ: «عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله» رواه الترمذي.
فعلى الجميع أن يدرك قيمة الوطن وأمنه وأن يتكاتف الجميع من أجل الحفاظ على مقدرات الوطن وحمايته من كل ما يحاك له.
اللهم احفظ الله مصر وشعبها من كل سوء ووفق ولاة أمورها إلى ما فيه خير البلاد والعباد وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وأقم الصلاة.

*نشر العلم صدقة جارية فأعد نشرها*
*ولا تبخل على نفسك بالأجـر العظيم*
=======================
ـــــــ🕋 زاد.الـخـطــيــب.tt 🕋ــــــــ
منــبرالحكـمــةوالمـوعـظـةالحســنـة.tt
رابط التليجرام👈 www.tgoop.com/ZADI2
للإشتراك بشبكة زاد الخطيب الدعوي
ارسل.اسمك.للرقم.730155153.tt
2025/10/12 23:53:10
Back to Top
HTML Embed Code: