tgoop.com/LabibNahhas/177
Last Update:
في مثل هذا اليوم، خسرت سورية والثورة ما لا يمكن تعويضه.
في مثل هذا اليوم، التاسع من أيلول/سبتمبر 2014، تمّ اغتيال قرابة 45 من قيادات الصفَّين الأول والثاني في حركة أحرار الشام الإسلامية، بما في ذلك غالبية المؤسسين والمنظّرين الفكريين للحركة. لم يُعلن أيّ طرفٍ حتى اليوم تبنّي عملية الاغتيال، وطُويت الصفحة بصمتٍ رغم معرفة بعض الأطراف بحقيقة ما جرى.
كان يومًا أسودَ؛ لم تُدرِك الثورة يومها أبعاد المصيبة كاملًا، ولم تُدرِك سورية حجم الخسارة المترتّبة على فقدان هذه الثلة من أبنائها. في ذلك اليوم انتهت الحركة —كما عرفناها— فعليًّا، مع أنّ القادةَ المؤسسين ومَن كان معهم تركوا إرثًا ورصيدًا كافيَين لا لإكمال المسير فحسب، بل لإحداث نقلاتٍ نوعية كانت الثورة والبلدُ بأمسِّ الحاجة إليها.
ومن الصعب تلخيص تاريخ «أحرار الشام» في منشورٍ أو مقالة، لكن —ومن أجل الجيل الجديد، وللسوريين الذين لم يعيشوا تفاصيل الثورة عن قرب— فقد كانت حركة أحرار الشام لاعبًا عسكريًّا رئيسًا في تحرير الأراضي السورية بعد انطلاق الثورة العظيمة، بالتعاون مع الفصائل الثورية، بما في ذلك قيادتها تحرير مدينة الرقة وإدارتها لاحقًا، وتحرير جُلِّ محافظة إدلب. وكانت أولَ فصيلٍ يطرح مشروعًا عسكريًّا وسياسيًّا ومدنيًّا، ويُؤسّس للبنية التحتية اللازمة لذلك. وسَعَت —على علّاتها وأخطائها— بصدقٍ لتقديم نموذجٍ ثوريٍّ سوريٍّ إسلاميٍّ معتدل يعكس أوسعَ شريحةٍ ممكنة من المجتمع. وقدّمت الحركةُ أكثرَ من عشرةِ آلافِ شهيدٍ في قتال النظام وحلفائه، وفي قتال داعش، وتصدّت لخطاب الغلوّ والتطرّف وثقافة البغي. والأهم من ذلك: أنّها حملت —ما استطاعت، وبقدر ما سمحت ظروفُها الداخلية ونُضجُها في كل مرحلة— قيمَ الثورة ومبادئَها. وهذا كلّه يعود إلى فلسفةِ المؤسسين الشهداء وعقليّتهم وقيمهم — تقبّلهم الله.
لعلّ ما يُميّز القادةَ الشهداء حَملُهم روحَ الثورة الحقيقية، وإخلاصُهم في العمل، وتضحيتُهم في خدمة البلد، واستعدادُهم للتصحيح والاعتراف بالخطأ. عرفتُ معظمَ القادة الشهداء، وعملتُ معهم، وربطتني ببعضهم علاقةٌ شخصيةٌ قوية (ولم أكن قد انضممتُ بعدُ إلى الحركة يومها). أمّا علاقتي بقائد ومؤسّس الحركة، الأخ الحبيب حسّان عبود (أبو عبد الله الحموي)، فكانت خاصةً جدًّا. كنتُ أصحبه في كثيرٍ من الرحلات واللقاءات الخاصة؛ كان كلانا قليلَ النوم، وكُنّا نمضي ساعاتٍ طويلةً في نقاشاتٍ شتّى، وكان يُدهِشني بمعرفته وسعة اطلاعه في مجالاتٍ متعددة، حتى إنني قلتُ له —رحمه الله— إنني أشكّ أنه أمضى آخر خمسِ سنواتٍ في سجن صيدنايا شبهَ منقطعٍ عن الدنيا. عملنا معًا على مشاريع حسّاسةٍ ومحوريةٍ يومها للثورة ولسورية، وعلى بناء علاقاتٍ مع مَن كانوا حلفاءَنا إقليميًّا ودوليًّا، وكان قمّةً في الإدراك والبراغماتية مع الحفاظ على المبادئ والأهداف الكبرى. كان من خيرة من عرفت.
شهداءُ التاسع من أيلول سبقهم أخوهم عبد القادر الصالح (حجي مارع)، ولحق بهم كثيرون من بعدهم. كانوا من الرعيل الأول، من حملة روح الثورة الحقيقية وقيمها، وكانوا من ثوّار 2011 الأصليين؛ الجيل الذي سيُسجَّل له في تاريخ سورية أنّه انتفض لكرامة البلد ووجّه ضربةً قاضيةً لنظام الأسد، ترنّح بعدها سنواتٍ قبل أن يسقط، ومهّدوا الطريق للتحرير النهائي، جيل دفع أثمانًا باهظة وما زال، وإن جهلهم —أو نسيهم— كثيرٌ من الذين يحتفلون اليوم بالتحرير.
اليومَ نحن أحوجُ ما نكونُ إلى استرجاع وتجسيد تلك الروح والعقلية الثورية التي حملها الرعيلُ الأول؛ فـبناءُ الدولة التي تمخّضت عنها الثورة يجب أن يكون وفق مبادئ الثورة وقيمها، ويجب أن تكون دولةً لكلِّ السوريين دون استثناء.
رحم الله أبا عبد الله وصحبه. آخرُ مرةٍ كنتُ معه كُنّا في أنقرة نعمل على تحضير اجتماعٍ بالغ الأهمية مع أطرافٍ دوليةٍ وإقليمية. كان الجميع قد نام: أخوه أبو عمر وأبو طلحة القائدُ العسكري —رحمهم الله وتقبّلهم— وقد استُشهِدوا معه، وبقيتُ مع أبي عبد الله نُراجع أفكار الاجتماع. فاستأذنتُه بالمغادرة وقد أُذِّنَ للفجر؛ فصحبني إلى الباب. قلتُ له: «متى نراكم؟» فقال: «نراكم في الجنة». ابتسمتُ وقلت: «عن جد يا شيخ، متى؟» فقال: «نراكم حين نراكم».
عانقتُهُ وتركتُه، ولم أعلم أنها المرةُ الأخيرة.
#أحرار_الشام
#استشهاد_قادة_أحرار_الشام
#سورية_الجديدة
#الثورة_مستمرة
#سورية
#Syria
BY قناة لبيب النحاس Labib Nahhas
Share with your friend now:
tgoop.com/LabibNahhas/177
